أنسنة المدن

هل لاحظت تغير مشاهد الحدائق خلال الأعوام الأخيرة! والتحول الفريد بالحدائق لتصبح جزءاً من الترفيه والرياضة لكثير من أفراد الأسرة السعودية والغير السعودية على حد سواء، فبعدما كانت الحدائق خالية وموحشة، لتكون في حاضرنا مكتظة تعج بالأنشطة المتنوعة والناس في معظم الأوقات، ولا شك في أن هذه التغيرات الكبيرة التي تشهدها المدن السعودية، وخاصة مدينة الرياض، إحدى ثمرات مبادرة "أنسنة" المدن من أهم المبادرات التي قدمتها وزارة البلدية والقروية والإسكان، ضمن برنامج جودة الحياة لرؤية المملكة 2030، لنلاحظ العديد من أحياء مدينة الرياض أخذت تتمتع بمسارات رياضية وحدائق فسيحة، وهي إحدى جوانب مبادرة الرياض الخضراء التي أضافت حلة خضراء إلى كثير من الشوارع والميادين بالعاصمة، بجانب المسار الرياضي الذي تحت الإنشاء.

يعتبر التخطيط العمراني منظومة متكاملة ذات تأثير مباشر على الإنسان تبدأ من مستوى التخطيط الاستراتيجي وصولاً إلى مستوى التخطيط المحلي، والتصميم العمراني للأحياء والمناطق السكنية، إلا أن الممارسات التي تمت خلال فترة التوسع، والنمو العمراني لمدن المملكة لم تراعِ في معظم جوانبها البعد الإنساني، فلم يصاحب ذلك التوسع اهتماماً في الأنشطة التي تعزز جوانب أنسنة المدن، بينما سيطر الاهتمام على تلبية الاحتياج الوظيفي والخدمي، وهذا ما نشهده خلال وجود أبنية عمرانية صماء!

نموذج تقليدي. وأسلوب تخطيط ممل. وتقسيمات أراضِ لا تراعِ البعد الإنساني، ولا حتى الضوابط السليمة للتصميم العمراني في معظم أحياء المدن، إذ تفتقر معظمها إلى عناصر التشجير وممرات المشاة، ومناطق تعبر عن رسالتنا الثقافية والمعرفية، على الرغم من أن النجاح في توفير تلك المكونات يعتبر من مؤشرات النمو والتحضر في المدن على الصعيد العالمي! حيث اتجهت كثير من مدن العالم في خططها الاستراتيجية وبرامجها التطويرية إلى تعزيز البعد الإنساني في المدينة حيث حدت من سيطرة المركبات في شبكات الشوارع، وفتحت المساحة لتعزيز حركة المشاة وتشجيع ركوب الدراجات من خلال الارتقاء بعناصر التصميم العمراني لتدعم هذا التوجه، ويبادر وطننا الحبيب إلى دعم برنامج جودة الحياة إحدى مخرجات رؤية المملكة 2030.

وأعود بالحديث عن الجانب المعنوي في التجربة الإنسانية حول أنسنة المدن، لتحقيقها أفكار نبيلة ورؤية واعدة تنظر إلى الإنسان قبل المكان لتأخذ البناء الهندسي إلى بعد آخر، لنساهم بدورنا بالوعي الثقافي والقدرة على البناء الحضاري وتعزيز الدور الاجتماعي، والفكري، والثقافي، والإبداعي، وإعمار الأرض؛ لتفتح أبواباً اقتصادية صديقة رسالتها الرئيسية استدامة المكان وجودته.